السباحة في غدير التمساح
بقلم/ سليم عثمان شهد
كاتب وصحافي مقيم في الدوحة
نحن فى أيام رمضان الاخيرة، ولياليه كلها مباركات خاصة هذه الايام فتعالوا إخوتي نبحث عن ليلة العبادة فيها تفوق عبادة الف شهر هي ليلة القدر التي قال الله عنها (ليلة القدر خير من الف شهر ، كان رسولنا الكريم وسلف هذه الأمة الاطهار يشمرون فيها عن سواعد الجد والاجتهاد علها تدركهم بفيوضات رحماتها ورغم ان الاهتمام بالامور الدنيوية مطلوب فى سائر ايام السنة ورغم اننا مطالبون بالترويح عن انفسنا حتي خلال رمضان الا ان الاجتهاد فى هذه الايام والليالي المباركات مطلوب جدا سواء باداء الصلوات كلها فى المسجد ومع الجماعة سيما صلاة التراويح والتهجد والذكر وتلاوة القران والصدقات وعمل الخيرات كلها وليت كل واحد منها يعتبر انه يعيش ايامه الاخيرة فى هذه الحياة وانه لا محالة ميت فيها وليس امامنا سوى الاجتهاد لعل ليلة القدر تدركنا ونفلح فى اخرتنا التى اليها معادنا
في الأثر أن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )وما ذاك؟( قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة( ثلاث مرات ،أي ساعة تتفرغون فيها لعبادة الله وساعة تنشغلون فيها في دنياكم لا في ما حرم الله، فكل ساعات المرء يقضيها في مرضاة ربه.لكن طالما هي ايامنا الاخيرة اذن لا مجال للترويح عن انفسنا لاننا فى سباق مع الزمن وملك الموت لنا بالمرصاد .
هل تخيلت أختي الفضلى وأخي الكريم وفكرت مليا فى أول ليلة تبيت فيها فى بيت غير بيتك؟ أقصد فى ليل أول يوم في قبرك ؟ينادي عليك مالك الملك و ملك الملوك يقول لك :يا ابن آدم رجعوا وتركوك ،في التراب دفنوك ولو ظلّوا معك ما نفعوك، ولمْ يبقَ لك إلا أنا الحيّ الذي لا أموت؟ هل فكرت مليا فى كم السنوات والساعات التى أنصرمت من عمرك؟هل تخشى وحشة القبر وظلمته ووحشته؟هل فكرت فى عمرك فيما أفنيته ؟شبابك فيما أبليته؟مالك من أين جمعته ؟وكيف أنفقته؟ علمك فيما عملت به؟ الان ولي وقت العمل، وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) سورة ق والنبي صلى الله عليه وسلم عانى من هذه السكرات قبيل موته، فقال وهو على فراش الموت: (إن للموت لسكرات) وكم هو جميل أن يتذكر الإنسان ماضيه بفرحه وقرحه، بضحكه وبكائه، حتى يدقق متأملا فيه، محاسبا نفسه حساب التاجر البخيل، فالكيس من دان نفسه قبل الموت، وأذاقها العقاب قبل يوم الحساب. وقد ألهتنا أنفسنا الأمارة بالسوء،وبدنايا المقاصد وسفاسف الأمور غرتنا دنيانا الغاوية، وشياطين الإنس والجن ،عما خُلقنا لأجله ووُجدنا لفعله،قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون ما اريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) الذاريات 56،إذن حياتنا فى هذه الفانية أشبه بالسباحة فى غدير التمساح،هل تحسبن ان السباحة فى بركة التمساح سهلة؟هل تظن أن التمساح حيوان مسالم؟هل تظنه بلا أسنان قواطع؟إما أن نجيد السباحة طوال أعمارنا فننجو وإما أن يصطادنا التمساح،إما أن نكسب دنيانا وإما أن نخسرها،إما أن نتقي غدر التمساح(الدنيا)وإما أن نغفل عنه فنقع بين فكيه الحديث له شجن خاص عن الموت وكيفية الاستعداد له فى هذه الايام المباركات ورمضان يلملم أطراف ايامه ولياليه الطيبات ليفارقنا دون عود الى يوم القيامة تري هل يمكننا أن نكسب فىما تبقي من أيام وليال فى هذا الشهر الفضيل والموت يحيط بنا من كل صوب؟
كان الحسن يقول: ابن آدم إنك تموت وحدك، وتبعث وحدك، وتحاسب وحدك.
ابن آدم: لو أن الناس كلهم أطاعوا الله وعصيت أنت لم تنفعك طاعتهم، ولو عصوا الله وأطعت أنت لم تضرك معصيتهم.يقول الشيخ عائض القرني فى كتابهأول ليلة فى القبر: ليلتانِ اثنتان يجعلها كلُ مسلمٍ في مخيلته. ليلةٌ وهو في بيته مع أطفاله وأهله.
منعما سعيدا، في عيشٍ رغيد في صحة وعافية، يضاحكُ أطفاله ويضاحكونه.والليلةُ التي تليها مباشرةً ليلةٌ أتاه الموت فوضع في القبر، أي ليلتين ؟ ليلةٌ ثانيةٌ وضع في القبر لأولِ مرة، وذاك الشاعرُ العربيُ يقول:فارقتُ موضعَ مرقدي يوماً ففارقني السكون، يقول:
انتقلتُ من مكانٍ إلى مكان، وذهبتُ من موضع نومي في بيتي إلى بيتٍ آخر فما أتاني النوم. فبالله كيف تكونُ الليلةُ الأولى في القبر ؟ يومَ يوضعُ الإنسانَ فريداً وحيداً مملقاً إلا من العمل، لا زوج ولا أطفال ولا أنيس:
ابن آدم: ذنبك ذنبك، فإنما هو لحمك ودمك وإن تكن الأخرى فإنما هي نار لا تطفأ وجسمٌ لا يبلى ونفسٌ لا تموت.
تأمل في الوجود بعين فكر *** ترى الدنيا الدنية كالخيال ِ
ومن فيها جميعاً سوف يفنى *** ويبقى وجه ربك ذو الجلال
ورد في بعض الآثار أنَّ الله عز وجل أرسل ملك الموت ليقبض روح امرأة من الناس فلما أتاها ملك الموت ليقبض روحها وجدها وحيدة مع رضيعاً لها ترضعه وهما في صحراء قاحلة ليس حولهما أحد ، عندما رأى ملك الموت مشهدها ومعها رضيعها وليس حولهما أحد وهو قد أتى لقبض روحها ، هنا لم يتمالك نفسه فدمعت عيناه من ذلك المشهد رحمة بذلك الرضيع ، غير أنه مأمور للمضي لما أرسل له ، فقبض روح الأم ومضى ، كما أمره ربه: (لا يعصون الله ما أمرهم يفعلون ما يؤمرون ) بعد هذا الموقف لملك الموت بسنوات طويلة أرسله الله ليقبض روح رجل من الناس فلما أتى ملك الموت إلى الرجل المأمور بقبض روحه وجده شيخاً طاعناً في السن متوكئاً على عصاه عند حداد ويطلب من الحداد أن يصنع له قاعدة من الحديد يضعها في أسفل العصي حتى لا تحته الأرض ويوصي الحداد بأن تكون قوية لتبقى عصاه سنين طويلة.عند ذلك لم يتمالك ملك الموت نفسه ضاحكاً ومتعجباً من شدة تمسك وحرص هذا الشيخ وطول أمله بالعيش بعد هذا العمر المديد ،ولم يعلم بأنه لم يتبقى من عمره إلاَّ لحظات .فأوحى الله إلى ملك الموت قائلاً: فبعزتي وجلالي إنَّ الذي أبكاك هو الذي أضحكك.نعم ملك الموت سيسأل كل واحد فينا حينما يقبض روحه بإمر الله،أين قوتك؟ ما أضعفك؟.. أين غناك؟ ما أفقرك؟
أين ملكك..أين مالك..أين جاهك..أين وزراؤك..أين جندك..أين عرشك..أين منصبك..أين حشمك وخدمك..أين شجاعتك..أين حيلتك وخداعك..أين شهرتك وصيتك..أين جمالك ورشاقتك..أين عضلاتك..أين سلطتك وسطوتك..أين أهلك وعشيرتك ومعارفك. لماذا لا تجيب؟.. أين لسانك؟ وما أخرسك؟
وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يجمع العلماء فيتذكرون الموت والقيامة والآخرة، فيبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة! وكان يبكي ذات يوم فتبكي زوجته ويبكي أولاده لماذا يا عمر ؟قال :تذكرت منصرف الناس يوم القيامة فريق في الجنة وفريق في السعير كان عمر بن عبد العزيز أميرا من أمراء الدولة الأموية يغير الثوب في اليوم أكثر من مرة وعنده المال والخدم والقصور والمطاعم والمشارب وكل ما اشتهى وكل ما طلب وكل ما تمنى.
فلما تولى الخلافة وتقلد ملك الأمة الإسلامية انسلخ من ذلك كله لأنه تذكر أول ليلة في القبر.
وقف على المنبر يوم الجمعة, وقد بايعته الأمة و حوله الأمراء والوزراء والشعراء والعلماء و قواد الجيش فقال: خذوا بيعتكم. فقالوا: ما نريد إلا أنت , فتولاها. فما مر عليه أسبوع أو أقل إلا وقد هزل, وضعف وتغير لونه, ولم يكن عنده إلا ثوب واحد.! فأراد المسلمون أن يعرفوا سبب ضعفه الذي بدا ظاهرا عليه فجأة فقالوا لزوجته: ما لعمر قد تغير؟ قالت: والله ما ينام الليل ووالله إنه ليأوي إلى فراشه فيتقلب كأنه نائم على الجمر, ويقول: آه لقد توليت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم وسوف يسألني يوم القيامة الفقير والمسكين والطفل والأرملة. ويحكى عنه أيضا, أنه خرج من صلاة العيد فلما مر بالمقبرة وقف وبكى بكاء طويلا ثم قال: يا أيها الناس هذه قبور أجدادي وآبائي وإخواني...وجيراني.
أتدرون ماذا فعل بهم الموت؟ ثم بكى بكاء طويلا... فقال الناس: ماذا فعل يا أمير المؤمنين؟قال: يقول الموت: إنني فقأت الحدقتين, وأكلت العينين, وفصلت الكفين عن الساعدين, والساعدين من العضدين, والعضدين من الكتفين, والقدمين من الساقين, والساقين من الركبتين, وفصلت كل شيء على حدة. ولما حضرته الوفاة قال : أجلسوني فأجلسوه فقال : اللهم أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت فإن غفرت فقد مننت وإن عاقبت فما ظلمت لا إله إلا أنت.ولما حضرت الوفاةُ عمرو بن العاص, قال له ابنه عبد الله الزاهد: يا أبتِ صف لي الموت, فإنك أصدق واصف للموت! (لأنه الآن يعاني سكرات الموت) قال: يا بني, والله كأن جبال الدنيا على صدري , وكأني أتنفس من ثقب الإبرة.
وطلب الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كعب الأحبار: أن يصف له الموت فقا كعبا : يا أمير المؤمنين , ما مثل الموت إلا كرجل ضُرب بغصن من شوك من سدر أو طلح فوقعت كل شوكة في عرق , فسحب الغصن فانسحب معها كل عرق في الجسم.
كان بالبصرة عابد حضرتة الوفاة..جلسا أهله يبكون حوله فقال لهم أجلسوني , فأجلسوه فأقبل عليهم وقال لأبيه :يا أبت ما الذي أبكاك؟قال :يا بنى ذكرت فقدك وانفرادي بعدك .فالتفت إلى أمه , وقال :يا أماه ما الذي أبكاك؟قالت : لتجرعي مرارة ثكلك ,فالتفت إلى الزوجة ,وقال :ما الذي أبكاك ؟ قالت : لفقد برك وحاجتي لغيرك ,فالتفت إلى أولاده,وقال :ما الذي أبكاكم ؟قالوا :لذل اليتم والهوان من بعدك ,فعند ذلك نظر إليهم وبكى .فقالوا له : ما يبكيك أنت ؟ قال ابكي لأني رأيت كلا منكم يبكى لنفسه لا لي .أما فيكم من بكى لطول سفري ؟ أما فيكم من بكى لقلة زادي ؟أما فيكم من بكى لمضجعي في التراب؟أما فيكم من بكى لما ألقاه من سوء الحساب ؟أما فيكم من بكى لموقفي بين يدي رب الأرباب؟ثم سقط على وجهه فحركوه ,فإذا هو ميت.
قيل إن ملك الموت دخل على داود عليه السلام فقال من أنت ؟ قال : من لا يهاب الملوك ولا تمنع منه القصور قال: فاذاً أنت ملك الموت قال: نعم ، قال: اتيتنى ولم استعد بعد ، قال: يا داود أين فلان قريبك ؟ وأين فلان جارك ؟ ، قال مات ، قال أما كان لك في هؤلاء عبره لتستعد؟.
قال معاوية رضي الله عنه عند موته: أجلسوني. فأجلسوه، فجلس يذكر ربه جل وعلا ويسبح الله سبحانه وتعالى، ثم بكى وقال لنفسه موبخًا لها: الآن يا معاوية، الآن جئت تذكر ربك بعد الانحطام والانهدام، أما كان هذا وغضُ الشباب نضير ريان. ثم بكى وقال: يا رب ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي، اللهم أَقَلَ العثرة، واغفر الزلة، وجُدْ بحلمك على من لم يرجُ غيرك ولا وثق بأحد سواك. ثم فاضت روحه.
ولما حضرت أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ الوفاة بكى فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال : يبكيني بعد السفر وقلة الزاد و ضعف اليقين والعقبة الكؤود التي المهبط منها إما إلى الجنة و إما إلى النار.
قال المزني: دخلت على الشافعي في علته التي مات فيها، فقلت: كيف أصبحت؟ فقال: "أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقًا، ولكأس المنية شاربًا، ولسوء عملي ملاقيًا، وعلى الله تعالى واردًا، فلا أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها أو إلى النار فأعزيها"، ثم بكى وأنشأ يقول:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سُلّما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته...بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل... تجود وتعفو منة وتكرّما
عسى من له الإحسان يغفر زلتي... ويستر أوزاري وما قد تقدم.
واحتضر بعض الملوك فجعل يقول : يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه
قال الذهبيُ أتت سكراتُ الموتِ عبدَ الملكَ ابنَ مروان، الخليفةَ الأموي، فأخذَ يتجرعُ كأسَ الموت، ويذوقُ الموت، ويشربُ الموت، ويأكلُ الموتَ وهو في تلكَ الساعة التي يذلُ فيها الجبار، ويذعنُ فيها المتكبر، ويفتقرُ فيها الغني، سمعَ غسالا بجانبَ قصرِه في الوادِ يغسلُ ملابسِه ويُنشدُ نشيدا، ما علمَ هذا الغسالُ بموتِ عبدِ الملك، وما أدراهُ بموتِ عبد الملك، ماذا أهمَه من موتِ عبد الملك!فأخذَ عبدُ الملكِ يقولُ وهو يبكي: يا ليتني كنتُ غسالا، يا ليتني ما عرفتُ الخلافة، يا ليتني ما توليتُ المُلَك.قال سعيدُ ابنُ المسيبِ لما بلغتُه هذه الكلمات: الحمدُ لله الذي جعلَهم يفرونَ إلينا وقت الموتِ ولا نفرُ إليهم.
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة ثم يقال له : يا ابن آدم : هل رأيت خيراً قط ؟ بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة فيقول له : يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ما مر بى بؤسى قط ، ولا رأيت شدة قط) .
نعم الموت كأس مرة لابد لكل واحد منا أن يتجرعها
ليس من مات فاستراح بميت*** إنما الميت ميت الأحياء
إنما الميت من يعيش كئيبـــا*** كاسفا باله قليل الرجاء
واعمار أمة محمد كما قال صلي الله عليه وسلم بين الستين والسبعين وقليل من يتجاوز ذلك كما قال عليه أفضل الصلاة واتم التسليم ومع ذلك نشيب فى الاسلام لاشك أن المسلم في آخر هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن، وشاع فيه الفساد، يتدحرج من حين لآخر بين معصية وأخرى، وإن الوقوع في الذنوب و المعاصي لا مناص منه، فلا أحد معصوم من الخطأ والزلل، والعصمة للأنبياء، فكلنا نخطئ وكلنا نذنب و نقع في العصيان والمعصوم من عصمه الله تعالى،فالمشكلة ليست في أن يخطئ المرء ويرتكب المعصية، ولكن المشكلة في عدم التوبة والاستغفار ولهذا قال : (كل بني آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون) وقال عليه الصلاة والسلام من رواية مسلم: (لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون ويغفر لهم) ومعنى الحديث أي أنه لولا أننا معشر البشر نذنب ونستغفر لذهب الله بنا وجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر الله لهم، لأن الله يحب أن يغفر لعباده بل ويحب من عباده على ما اقترفوه من ذنوب أن يكونوا توابين ومستغفرين قال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (البقرة :222) لكننا مع ذلك ونحرص ونتكالب على الدنيا ونركض حول ملذاتها وشهواتها وأنعمها كالوحوش .لنفترض إننا لم نفعل أي شيئا طوال أعمارنا التى أنقضتونحسبها ذهبت هباءا منثورا هل بالإمكان أن نتوب ونحصد شيئا يقينا نيران جهنم وعذاب القبر؟ أقول نعم فباب التوبة مفتوح حتى تغرغر الروح، كيف ذلك بإمكاننا أن نشمر عن سواعد الجد فى العشر الاواخر من رمضان عل الله يرزقنا ثواب الف شهر فى ليلة واحدة هي ليلة القدر، إن في رمضان ليلة عظيمة، العمل فيها خير من العمل خلال ألف شهر، ليلة رغبنا النبي صلى الله عليه وسلم ترغيبا خاصا في قيامها فقال: )من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه( (متفق عليه)، فمن غفل عن قيام ليلة من ليالي الشهر في أوله فلا ييأس؛ فإن في آخره هذه الليلة المباركة، فلا يضيعها عسى أن يحصل الفضل الذي فاته، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن علامتها بعد فواتها فقال : (صبيحة ليلة القدر تطلع الشمس لا شعاع لها حتى ترتفع» (رواه مسلم)، وليست خاصة باليوم السابع والعشرين-على القول الراجح-، ولكنها تنتقل في العشر الأواخر، ومن العبادات المشروعة في رمضان خاصة فى العشر الاواخر الاعتكاف وهو لزوم المسجد لإقامة العبادة فيه ، قال أبو هريرة رضي الله عنه :« كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما» (رواه البخاري)، وهذا الاعتكاف هو الذي يمكن من التفرغ للذكر والدعاء والصلاة ومجالس العلم، ويبعده عن الفتن وكثير من مبطلات الأجر، وخير الاعتكاف ما كان في بيت الله الحرام أو في المسجد النبوي. ومن الاعمال المستحبة خلال هذا الشهر إطعام الطعام، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ » (رواه الترمذي وحسنه الألباني).وبوسع كل قادر أن يعتمر فى رمضان خاصة فى هذه الايام الجليلة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:« العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما »(متفق عليه)، وينصح من أراد العمرة أن يجعلها في رمضان، لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَجَعَ مِنْ حَجَّتِهِ سأل صحابية مَا مَنَعَكِ مِنْ الْحَجِّ فلما ذكرت عذرها أمرها بالعمرة في رمضان وقال :«فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي » (متفق عليه).وحتى لايكون صياما معلقا بين السماء والأرض ينبغي أن يحرص كل منا على أداءزكاة الفطر قبل صلاة العيد وينبغي أن نكثر من الصدقات طوال رمضان خاصة فى هذه الليالي والايام المباركات ، قال ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليهوسلم أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمأَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ»(متفق عليه)، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان جوادا كريما في كل أيام السنة، لكن إذا جاء رمضان لم يبق لجوده حد، قال جابر رضي الله عنه :« ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال لا» (متفق عليه)، فإن قيل كيف يكون جوادا وهو الذي كان يمضي عليه الشهر والشهران لا توقد في بيته نار؟ قيل ذلك هو الإيثار ففي البخاري أن امرأة أهدت النبي بردة قال سهل رضي الله عنه : « فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها فطلبها منه أحد الصحابة وقال أكسنيها ما أحسنها فأعطاه إياها صلى الله عليه وسلم ولم يرده».
فأكثروا من الصدقة فإن من جاد على عباد الله جاد الله عليه، وهو الغني الكريم بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل.
ومن الصدقة صدقة الفطر وهي واجبة، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين » (أبو داود وابن ماجة) ولهذا قيل :« صدقة الفطر للصائم كسجدتي السهو للصلاة ،نسال ألله أن يتقبل منا صالح الأعمال ويغفر لنا ذنوبنا كلها ما علمنا منها وما لم نعلم وأن يجعلنا ممن يدخلون جنانه من باب الريان وأن يعيد علينا مثل هذه الأيام المباركات ونحن عباده أتقي والى الله أقرب